إلى فقيد الوطن والثقافة العربية الأستاذ / عبد الله البردوني
يا آخر الخلق إبداعاً وإنسانا
وآخر الشعر إصراراً وإيمانا
وآخر الألق الوضاء في وطنٍ
وهبته العمر مسكوناً وهيمانا
أينعت متسع الآفاق ممتشقاً
مخاطر الحرف مكدوداً ونشوانا
أذبت روحك في الأرواح واتسعت
فيك النهارات ياقوتاً ومرجانا
أرويت كل جفاف العمر من سحب
تخاطفت من عيون الشعر أمزانا
وكنت كالغيث يحيينا إذا ضمرت
فينا العطاءات إحجاماً وخذلانا
وكالكرامات إن شاخت عزائمنا
تعيد كل شيوخ العزم فتيانا
أيقظت شعبك من جهل توارثه
عبر الخرافات أزماناً وأزمانا
حلمت أهديتنا الأحلام مبتهجاً
بموكب العرس مفتوناً وفتانا
وغادرت من ربى أعراسنا قيم
كانت تضيف إلى الأوثان أوثانا
أيامك الخضر أرست في شواطئنا
وأعمرت في مناحي الحلم أوطانا
لكنه الجهل يأتينا على صور
تزيدنا من عمى الألوان ألوانا
وكنت أنت الذي تقوى على هوس
أذاقنا من نقيع القهر أطنانا
قاومت كل صنوف الجهل مكتسحاً
معالم البغي أحجاراً وأركانا
ورحت (من سفر مضنٍ إلى سفر)
تُصارع الظلم أتباعاً وسلطانا
يا سيد الشعر ضاق الحزن في قلمي
وسطّرت دمعة الأحزان أحزانا
لكنها لن تفي في عشق قمتنا
ولن تغطي خطوط الدمع شكوانا
إنَّا نمر بدهر كنت أنت لنا
فيه الأسية نبراساً وعنوانا
وكنت كل عطاء الله في زمن
يكن للحرف أحقاداً وعنوانا
الله أكبر لن تغفو مواجعنا
بعد الوداع لمن نهوى ويهوانا
العشق بعد غياب العشق مهزلة
والشعر بعد غياب الشعر بُهتانا
عمّ الأسى ساحة الأشجان وانفجرت
كوامن الحزن بركاناً وبركانا
يأتي على أخضر الآمال محترقاً
ويجرف الروح أزهاراً وأغصانا
يا سيد الشعر لا تأس على وطن
ودّعته بعد أنْ شيدّت بنيانا
صنعت فيه مقاماً كنت أنت له
تاج الشموخ الذي لولاك ما كانا
وكنت للعاشقين الحرف مئذنة
وللصلاة تلاوات وقرآنا
لولاك ما عرف الأطفال شعلتنا
ولا رأى جيلنا أزهار نيسانا
لا تكترث بأسانا أو فجيعتنا
فبعدك الحزن يأوينا ويغشانا
حياتنا لا تساوي قيد أنملة
بفقد مَنْ كان نحياه ويحيانا
نأبى الحياة بدار ليس فيه لنا
دار ولا داخل القيعان قيعانا
تركتنا بين أيدي الجاثمين على
صدر الحقيقة بهتاناً وطغيانا
إما مضينا على نهج بدأت به
أو نحضن الموت إجلالاً وعرفانا
لا تكترث حرفك الوضاء هاجسنا
حتى يعود إلى الإنسان إنسانا