هم الوحدة * جمال أنعم
22/05/2009 الصحوة نت – خاص:
السلطة أسوأ معلم على الإطلاق، أسوأ من يعطينا دروساً في الوحدة وحب الوحدة، إنها أفضل من يكرهنا فيها، ويزهدنا في شيء اسمه الوطن، الغريب أنها تصر على أداء هذه المهام الجليلة إمعانا منها في التنفير فقط.
لا أتذكر أنني أحببت شيئاً تحت تأثير الخطابات السلطوية، ولا أتذكر أنني كرهت شيئاً مثل كراهيتي للسلطة ودعاياتها الفجة والسمجة.
ما تحدثت السلطة عن الوطن إلا وسلبته معناه، وما تكلمت عن الوحدة إلا وسلبتها القيمة.
اليوم تحاول السلطة تجميع الوحدة من جديد في أطباق من كلام، بعد أن مزقتها إرباً داخل الروح وعلى أرض الواقع، اليوم تحاول لملمتها من بين أشداق خطاياها التي اقتاتت الوحدة وكبرت وتمددت على حسابها 19 سنة.
أحب الوحدة وأكره آكليها، وأكثر ما أمقته : تحول النهابة الممقوتين إلى دعاة محبة وحفظة أوطان.
الفاسدون لا يحسنون سوى الإغارة والسلب والنهب، وأكثر ما يسلبوننا معنى الوطن والمواطنة، والشعور بالانتماء والولاء والإحساس المشترك بالتعاطف والتعاضد.
يختزل البيت العدني الضيق الخانق كل الحكاية، حكاية اليقين المتقلص بالوطن وقصة الإنسان المحشور في “حيز لا يكفي نملة”بحسب الشاعر طه الجند.
عن أي وطن يدافع الفقراء والمكدودون، سكان علب الصفيح والأرصفة؟!! أي وطن هذا الذي ينفي الناس داخله بأكثر مما ينفيهم خارجه؟
أي وطن هذا الذي نموت فيه قهراً وفقراً وكمداً ليحيا لصوص الوطن؟.
في بلادنا يذوي الإنسان تحت سارية العلم، يلفظ أنفاسه بصمت يليق بمواطن ملفوظ خارج الحياة.
في الصباح، كان عمال البلدية ينفذون غارة باكرة على أصحاب المحلات في الشارع المجاور، بدوا شديدي الفظاظة ربما لاعتبارات المهمة الوطنية الموكلة إليهم ،هم بعض جنود الفرح القسري والمفروض، دورهم فرض طلاء الأبواب والواجهات بألوان فرائحية معتمدة تليق بمناسبة عيد الوحدة على ذكراها السلام.
الطلاء هنا واجب وطني ولا يصح أن تبدو الأبواب والواجهات متجهمة،لا يهم تجهم الوجوه واعتكار الأرواح.
السلطة في هذا الأمر كلهم عمال بلدية ينفذون الأفراح ويطلون أوجه الذكريات بأردأ الطلاءات حيث يستحيل كل شيء مجرد “ترنيج”ولا شيء أكثر.
الحب أعمق من هذا، سر لا يدركه من فقدوا الإحساس والمشاعر،لا يدركه الأجلاف غلاظ الطبع والمناسبات، تسقط في الاعتبار إن سقطت الصلة وتلاشى النسب.
الوطن لا يُحَب بقانون والوحدة لا تحمى بسن مزيد من التشريعات المقيدة، لا يمكن تقنين الحب كما لا يمكن تقنين الاحترام.
لن نحب الوحدة حين تتحول إلى أداة خوف وإرعاب، لن نستطيع لها الغناء حين تقطع باسمها الألسنة، لن نتشبث بها كما يجب حين يفرض علينا باسمها التنازل عن حرياتنا وأقدس ما نملك.
لن نحب الوحدة حين تغدو مفرزة، وحين تحتكر السلطة حق تفسير ما يضر بها وينفع ،نحن الوحدة ،الوحدة هم الناس ،هؤلاء الذين لا يحميهم القانون ولا يدافع عنهم النظام، هؤلاء الذين لا يجرم قاتلوهم وناهبو حقوقهم وملكياتهم وحياتهم.
الوحدة هي كل أولئك الشباب العاطلون عن العمل، الضائعون بلا أمل، الذاهبون مع الحراك كمشروع وجود، وفرصة شعور بالكينونة، تغدو النقمة فرصة عمل من لا عمل له.
الوحدة هي كل أولئك البسطاء الباحثون عن وطن يحميهم ويجمعهم على السواء.
هم أولئك الذين يحاولون اليوم استعادة ما سُرِق منهم.
الوحدة هي كل هؤلاء الواقفون ضد من خانوا الوحدة وخانوا الوطن.
الوحدة هي هؤلاء الذين يحملون اليوم عبء النضال وتبعات التغيير بشموخ وإباء وثقة وأمل،هم ما تبقى من الوحدة وهم كل الوطن.