هي السعادة ، وهل نحن من نصنعها ام هي قدر محتوم وحظ لا يناله الا المبجلون ؟ ₪₪
كتب المقال : Iron Man كريم
( (( يمنع منعا باتا النقل بدون ذكر المصدر )) )
هناك مثل انجليزي مشهور يقول : " العشب اكثر اخضرارا في الجانب الآخر من الوادي " ، وهذا المثل الدارج يقال دائما لما نشعر بأن الآخرين اكثر منا حظا ونجاحا في حياتهم ، وينطبق المثل على اولئك الذين يبررون عجزهم ويرمون فشلهم على الحظ التعيس او العاثر الذي لولاه لكانوا نجوما ومشاهير وبارزين في ميدان عملهم او في حياتهم الخاصة ..
فعندما تداهمنا الاوقات الصعبة وعندما نواجه الشدائد والمحن كثيرا ما نجد راحتنا في تبرير عجزنا او ضعفنا او عدم توفيقنا عبر القاء التهم جزافا على الحظ اللعين الذي يتربص بنا والذي يفتح ثغره باسما متبسما للآخرين من اصحاب الحظ السعيد ، وفي الواقع هذا التبرير الفاشل يزيد من تعاستنا ويضاعف من درجة الاحباط والنقمة في نفوسنا ..
ولو نظرنا في المسألة بعمق اكثر لو جدنا اغلب مشاهير العالم بدأوا من نقطة الصفر واوطى درجات السلم ، فماو تسي تونغ الزعيم الصيني الشهير ، كان نجل مزارع بسيط والربان والكشافة البريطاني جيمس كوك كان فقيرا معدما حتى انه لما كان طالبا في المدارس ، كان يعمل في النهار ويدرس في الليل على ضوء الشموع ، وبيتهوفن الموسيقار صاحب السنفونيات الخالدة كان اصما ومعوقا والعديد من رجال الاعمال والساسة الامريكيين كانوا ابناء عائلات مهاجرة معوزة حتى ان باراك اوباما هذا الزنجي الذي قدم والده في يوم من الايام من ادغال افريقيا اصبح رئيسا لاعظم دولة في التاريخ الحديث .. وهناك الكثير من الامثلة لفقراء بلغوا قمة المجد لا بضربة حظ بل بجهد دؤوب وعزيمة لا تعرف الكلل والملل وارادة لا تقهر ، فصنعوا من الضعف قوة وحولوا الفشل الى نجاح لا يضاهيه نجاح آخر ..
ويختلف مفهوم الثراء والحظ حسب الثقافات والمستويات الاجتماعية والاقتصادية ، فانسان معدم بائس تعيس ولد على رصيف احد شوارع كالكوتا او نيودلهي القذرة والفقيرة يعد محظوظا جدا ان امتلك منزلا او سيارة ولو شخصا من زنوج امريكا ممن تربوا في احياء هارلم الفقيرة او في المخيمات التعيسة في شيكاغو تحصل على عمل محترم سيكون من اسعد رجال العالم ..
فالفقر والفشل لا يتلاشيان بمجرد التشكي والتبرم ولوم الآخرين والظروف والاقدار ، و سواء أكان الآخرون مذنبين ويتحملون اعباء فشلنا واخفاقنا ام لا ، فان النجاح لن يصنعه غيرك بل انت من يصنعه ويشيده ويبنيه ، وقد يكون نجاحك مبنيا على فشل الآخرين واستغلالا للفرص والظروف حتى ان خبراء الاقتصاد يقولون بنظرية " قانون الادغال the rule of the jungle " لان كل انسان يسعى لتحقيق الربح والمنفعة على حساب غيره ، وهو ما يتيح الفرصة لاي شخص حتى وان كان فقيرا لطرق ابواب الرزق وتحقيق اكبر قدر من المكاسب المادية التي قد تجعله ثريا وموسرا !
كذلك من السخف ان نحكم على الناس على حسب ما يملكون من ثروة او حظوة ظاهرية ، لأن الشجرة قد تحجب عنا الغابة ، وقد نرى الواقع بصورة مغايرة عما هي عليه فقد يكون هذا " المحظوظ في نظرك أشد الناس تعاسة ، وقد يكون شخصا محروما من تلك النعمة التي تتوهم انه يمتلكها ، او عاني او يعاني من آلام داخلية لا تستطيع ان تشعر بها ، والامثلة عديدة لاناس يمتلكون ملايين الدولارات ولهم افخم القصور لكن يعانون من امراض عضوية او من احزان عميقة ودفينة جعلتهم حبيسي عيادات اطباء النفس ، فالسعادة ليست في كل الاحوال ، رصيدا ضخما من الاموال في البنوك او شققا وفيلات في باريس او لندن او دبي ولا حسناوات مغريات يحمن حولك ، بل امر اعمق من هذا بكثير ..
فالاعتقاد الواهم بأن الحياة لعبة قمار او حظ اما ان تربح كل شيء او تخسر كل ما عندك ، ما هي الا محاولة بائسة للهروب من الواقع والخوف من المواجهة ولضعف العزيمة والايمان بالقدرات الذاتية
وكما قال الشابي :
ومن لا يحب صعود الجبال ---- يعش أبد الدهر بين الحفر !
ما هي السعادة ؟
يختلف تعريف السعادة حسب الاشخاص ، فقد تعني لدى البعض امتلاك السيارات الفخمة او القصور المترفة او امتلاك عقارات او اموال ولدى البعض الآخر الوقوع في الحب مع فارس او اميرة الاحلام او التمتع بصحة جيدة والعيش في امان وربما امتلاك كل هذه الاشياء في نفس الوقت
لكن علينا ان نتساءل اولا عن الاشياء التي تجعل من الانسان سعيدا او تعيسا في حياته ،ورغم ان الآراء الشائعة تحصرها في الامور المادية بالاضافة الى الوسامة والجمال والحظ الا ان علينا ان ننظر للامور بروية واكثر عمق بعيدا عن التسرع والسطحية ، فحسب الخبراء سعادة المرأ تكمن في طريقة التفكير والنظرة للحياة ، وعادة ما تكون هذه النظرة مختلفة عن نظرات الآخرين لها ، فهي بمثابة رؤية وتفسير شخصي للحياة بطريقة تخالف السائد والمعتاد والسير على هذا المنهج ..
وحسب البروفيسور مارتن سليغمان تكون معادلة السعادة كما يلي
H = S + C + V
ويرمز حرف H بطبيعة الحال للسعادة ، وحرف S الاستعدادات الوراثية والقابلية لان تكون سعيدا والظروف المهيئة لذلك
وحرف C للظروف والوضعيات المواتية ( عائلتك ، حيك ، اجوارك ، معارفك الخ ) --- ) تحكمنا ضعيف وشبه منعدم فيها
وحرف V للارادة الذاتية والقدرة على التحكم فيها ( في الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ) وكي نوضح المسألة أكثر
نقول بان الاستعدادات الوراثية تتمثل في نوعية الجنس الذي نحمله اي ذكرا او انثى والجينات التي حملتها من والديكــ
وبالنسبة للظروف فالادلة تشير الى انها تحدد بنسبة هامة نسبيا درجة سعادتنا ( الظروف لا نختارها ولا نتحكم فيها غالبا )
اما بالنسبة للتحكم الارادي وهو العامل الثالث في هذه المعادلة ، فيعتبر اهم عامل على الاطلاق لانك انت من تتحكم فيه ، وكلما كان تحكمك جيدا كلما كان درجة سعادتك كبيرة ، بطبيعة الحال على حسب ما اتاحته لك الظروف والاستعدادات الوراثية والجينية ، وهي تشمل الافكار والافعال معا والنهج الذي اتبعته في الماضي وما تتبعه حاليا وما ستتبعه في المستقبل ، فكل هذه الاشياء تحدد بنسبة تعادل 50 في المائة من مقدار سعادتك
ونظرة السعيد للماضي والحاضر والمستقبل عادة ما تتشكل وفق هذه الرؤية
الماضي - السعداء ينظرون للاحداث الجيدة التي حدثت ويتجاهلون الاحداث غير الجيدة ، فنظرتهم ايجابية صرفة ، فهم ممتنون ، متسامحون ولا يعتبرون هذا الماضي شيئا مؤثرا ومحددا للمستقبل
المستقبل - بطبيعة الحال تجد السعداء متفائلين ونظرتهم ايجابية للمستقبل وينظرون للجانب المشرق من الحياة ( لكن دون تعسف وغلو بل بواقعية )
الحاضر - يستمتع الشخص السعيد بوقته ومع الناس المحيطين به ، علاقاته ممتازة مع الآخرين ويتفاعل بطريقة جيدة مع الاحداث التي تقع له مهما كان نوعها
وطبقا لما رأينا وللمعادلة التي حللناها ، يمكن القول باننا لنا بعض التحكم على درجة سعادتنا ، رغم ان هناك اشياء لا نتحكم فيها ولا نستطيع السيطرة عليها . فطريقة التفكير ورؤيتك وتقبلك لذاتك كما انت وتفسيرك وتاويلك لمجريات الحياة وللناس بامكانهم ان يحددوا بنسبة كبيرة مقدار السعادة ، لكن هذا لا يعني ابدا اننا سوف لن نشعر بالحزن بل ستعترضنا العديد من الوضعيات المؤلمة والاحداث الاليمة ، لكن سنكون اكثر ايجابية وواقعية وبراغماتية في التعامل معها مما قد يضاعف من سعادتنا . كما قد تكون سعيدا ومستقرا ومطمئنا في حياتك الا ان واع ومدرك لما يقع من احداث اليمة في العالم الخارجي فتشعر بمعاناة وآلام الغير وتتعاطف معهم وتشفق ، اي انك ستكون شخصا متوازنا ومستقرا وثابتا في افكارك واحاسيسك ..
وبما ان لنا هذا التحكم فلنشتغل على جعل انفسنا سعداء ( حسب ما توفر لنا ) ، ولنتفاءل اكثر فالحياة رغم قتامتها احيانا جميلة وتستحق ان تعاش !
وختاما لي بعض الاسئلة للاعضاء الكرام
1- هل انت سعيد في حياتك ؟ وما هو مفهومك الشخصي لها ؟
2 - هل تؤمن بالحظ او البخت كما يقال وتعتبره عاملا هاما يؤثر في حياتنا ككل ؟
3 - هل تحاول ان تنظر للحياة برؤية ونظرة مختلفة عن الآخرين ام ان هذا الامر غير مهم اطلاقا ؟
اتمنى ان ينال هذا المقال ( المتعوب عليه ) استحسانكم ، وان تتفاعلوا معه ..
اطيب المنى وارق التحايا