عن حسن اللوزي الشيخ قاطع الارزاق.. القانون والصداقة
04/09/2010
عبدالكريم الرازحي - نقلا عن صحيفد الوسط
(توضيح للقارئ الكريم بمناسبة خواتم الشهر الكريم)
يعرف القارئ الكريم المتابع لخط كتاباتي- منذ انبلاج فجر الوحدة والديمقراطية - انني لم ابتذل نفسي ككاتب في اي يوم من الأيام .. ولم انحدر الى اي مستنقع من المستنقعات .. ولم يحدث أن أسأت استخدام حرية التعبير التي كفلها لي دستور الجمهورية اليمنية.
وكم كنت اتمنى - وأنا اكتب الحلقات الثلاث الماضية - لو ان حسن اللوزي بقي سفيراً حتى نبقى أصدقاء وأصحاباً وأحباباً .
ذلك لان حسناً هذا يغدو إنسانا جميلاً عندما يكون خارج الوزارة, وخارج السلطة, وخارج اليمن.
أما وهو في السلطة فإن لوثةً ماتتسلّط عليه ..إذ بمجرد دخوله الوزارة يدخل في غيبوبة لا يفيق منها. ثم انه- وهو في غيبوبتة تلك - ينكر نفسه ويتنكر للزمالات والصداقات والقرابات ويجعل منها قرابين يضحي بها تقرباً وتبرعاً وتطوعاً واجتهاداً منه.
اتذكر بعد خروجي بأيام من وزارة الاعلام.. نسيت ما فعله بي حسن الوزير وحسن الرقيب وحسن الشاعر والمثقف.
نسيت معاناتي ومخاوفي وعذاباتي في وزارته التي كانت أبشع من معتقل "دار البشائر". نسيت أنه آذاني وحاربني في لقمة العيش وفي قوت اطفالي .. ونسيت كيف انه توّج كل مضايقاته تلك بقطع مصدر عيشي الوحيد.
نسيت كل ذلك فور انتقالي الى مركز الدراسات وذلك بعد ان استنجدت بالصديق والشاعر والانسان صاحب القلب الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، الذي مد لي حبل النجاة عندما طلب نقلي الى المركز.
بعد ذلك بسنوات اشرقت شمس الوحدة ومن شدة فرحتي بها عفوت وصفحت وفتحت صفحة جديدة..
وكان ان تحسنت علاقتي بالزميل حسن اللوزي ثم ما لبثت أن تطورت، اما بعد تعيينه سفيراً لليمن في العاصمة الاردنية عمان.. فقد غدا حسن صديقاً وصاحباً وواحداً من احب الناس اليّ حتى انني وبعد عودتي من مهرجان جرش رحت افخر وأزهو بصداقتنا وكنت في المقايل وفي المجالس- اذا جاء أحدهم على ذكره - اتحمس للحديث عن حسن الانسان الجميل الذي اكتشفته .. واذا سمعت احداً يذكره بسوء اسعى جاهداً للتصحيح والتوضيح.
وبدلاً من تلك الصورة التي شاعت عنه واستقرت في اذهان و ذاكرة الناس رحت اقدم صورة اخرى له جديدة وجميلة ومشرقة.
وكنت افعل ذلك بحب وبصدق وعن قناعة .
بعد تعيينه وزيراً للاعلام فرحت له من قلبي وفرح له أولادي ..
وقد راحوا يفخرون ويزهون ويقولون لأصحابهم : حسن صاحب أبي.
مع أنني كنت اول من اتصل به وبارك له الا انني لم اكن اعرف انني سأكون أول هدف له.
اتذكر أنني كنت مع الزميل جمال عامر رئيس تحرير صحيفة (الوسط) وكنا حينها في طريقنا الى منزل الشيخ سلطان البركاني عندما وصلت رسالة الى موبايل جمال تفيد بأن وزارة الإعلام أوقفت صحيفته.
وعندما وصلنا منزل الشيخ سلطان - الذي كان عامراً بالضيوف - طلبنا من الشيخ محمد بن ناجي الشايف ان يتصل بوزير الاعلام بعد ان حدثناه عن الإجراء الجائر والغير قانوني الذي اتخذه الوزير ضد الوسط الصحيفة.
لكن الشيخ محمد بن ناجي استغرب من طلبنا هذا وقال : وانا للمه اتصل بالوزير ؟ ما دخلي ! قلنا له : كيف مادخلك يا شيخ ؟ انت عضو مجلس نواب ورئيس لجنة الحقوق والحريات في المجلس.
وعندها تذكر الشيخ محمد انه فعلاً رئيس لجنة الحقوق والحريا, وقال: بس ما عندي رقم تلفونه.
عندئذ اعطيته رقم تلفون الوزير فبدا متحمساً لخوض اولى معاركه من اجل قضية الحرية .
بعد دقائق عاد الشيخ محمد وصورته مقلوبة والشرر يتطاير من عينيه وقال - موجهاً الحديث اليّ-: ماهو اللي كتبت يارازحي؟
ماقلت عن المشايخ؟
حسن اللوزي يقول انك انت السبب .. وانه وقف الصحيفة بسببك.. وانك قلت علينا كيت وكيت.
بعد خروجنا من منزل الشيخ سلطان اتصلت بالاستاذ حسن وقلت له :مالك ياحسن تحرض المشايخ ضدي وتؤلبهم عليّ؟
لكنه بدلاَ من ان يعتذر راح يكابر ويصر ويقول بأنني احد الاسباب التي دفعته لتوقيف الصحيفة . وكان ان نشأ بيننا جدل حاد.
اتذكر أنني قلت له : انت ياحسن ملكي اكثر من الملك.
رد علي قائلاً وبحدةَ: انا يارازحي لو خُيّرت بين الوقوف الى جانب القانون وبين الوقوف الى جانب الصداقة لاخترت الوقوف الى جانب القانون.
استفزني كلام حسن القانوني وقلت له : أنا أعرفك ياحسن.. انت لا مع القانون ولا مع الصداقة .. انت من اجل البقاء في السلطة مستعد تضحي بأولادك.
دار بيننا هذا الجدل الحاد و انا في سيارة جمال الذي بدا حزيناً ومتألماً ومهموماً بمستقبل صحيفته.
اتذكر بعد انتهاء المحاكمة.. وبعد ان قال القضاء كلمته. وبعد ان صدر الحكم لصالح الصحيفة, ان رئيس التحرير سلمني وثيقة من تلك الوثائق التي قدمها وزير الاعلام الى المحكمة كدليل ضد صحيفة الوسط.
وعندما تأملت الوثيقة وجدتها صورة لقصيدةً نشرتها في الصحيفة وكانت بعنوان (من اقوال علي ولد زايد في المشايخ), كان الشيخ حسن قد اعتبر ماقاله علي ولد زايد في المشايخ جريمة من جرائم النشر. وكان هذا مافاجأني حقاً, إذ انني لم اكن اعرف ان المشايخ من الثوابت الوطنية .
عندها فقط عرفت وفهمت واستوعبت لماذا الشيخ محمد بن ناجي الشايف بعد مكالمته مع الوزيرعاد الي بصورة مقلوبة وبعيون تقدح شرراً!
اخذت من جمال عامر الوثيقة القصيدة الجريمة وكتبت قفاها - ان لم تخني الذاكرة - مايلي:
الأخ و الزميل و الصديق حسن اللوزي وزير الاعلام المحترم
تحية طيبة وبعد
(قلتم بأنكم لوخيرتم بين الوقوف الى جانب القانون او الى جانب الصداقة لاخترتم الوقوف الى جانب القانون.
لكن الذي اتضح بعد صدور حكم المحكمة هوانكم انتهكتم القانون وانتهكتم الصداقة) وسلمتها لقريبه الشاعر محمد اللوزي ليسلمها اليه.
غير ان حسن الذي انهزم في ساحة القضاء والذي يخسر دائماً في ساحة الصداقة كان يخرج منتصراً وكاسباً ويحقق انتصارات ومكاسب لا حصر لها في ساحة لقمة العيش وفي ساحة قطع الأرزاق.
إذ أنه وبعد أن دار بيني وبينه ذلك الجدل الحاد اتصل بالجهات المعنية في دولة موزمبيق الشقيقة وطلب باسم التنسيق الاعلامي بين الوزارتين وباسم الثوابت الوطنية المشتركة بين الدولتين الغاء تعاقدي.
وفي نفس الاسبوع ابلغتني الصحيفة الموزمبقية التى تعاقدت معي الغاء العقد.
غير ان الشيخ حسن الذي استخدم قفازاً حتى لايترك بصماتٍ تدينه باعتباره قاطع أرزاق, نسي- وهو الوزير للاعلام - اننا في عصر المعلومات.