إله كامل الدسم
الجمعة , 23 يوليو 2010 م
فكري قاسم
Fekry09@hotmail.com ع، ل، ي، ع، ب، د، ا، ل، ل، ه، ص، ا، ل، ح. ذلك ليس حرزاً، إنه اسم الزعيم (حفظه الله).
ليتهجى كل واحد منكم اسم فخامته حرفاً حرفاً، ومن ثم يخبر نفسه بماذا شعر. أما حين نجازف الآن ونتهجى، واحدة واحدة، سنوات الرجل في الحكم، فإن الأمر سيختلف كلياً. دعوا مشاعر السأم جانباً، وليبدأ كل واحد منكم الآن يعد معي. بسم الله:
سنة، سنتين، ثلاث سنوات، أربع سنوات، خمس سنوات، ست سنوات، سبع سنوات، ثمان سنوات، تسع سنوات، عشر سنوات، إحدى عشرة سنة، اثنتا عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة، أربع عشرة سنة ، خمس عشرة سنة، ست عشرة سنة، سبع عشرة سنة، ثمان عشرة سنة (يا مُعين يا الله)، تسع عشرة سنة عشرون سنة، إحدى وعشرون سنة، اثنتان وعشرون سنة. أعرف أنكم تعبتم.. "إشتحطوا" يا جماعة، باقي هَزَّة ونكمِّل. أين قد كنا؟ أيوه، كنا عند اثنتين وعشرين. يا معين يا الله: ثلاث وعشرون سنة، أربع وعشرون سنة، خمس وعشرون سنة، ست وعشرون سنة.
تعالوا نربُخ شوية.. ومن ثم نواصل العد. أقسم لو أن فخامته مشتركا معنا الآن في عملية العد هذه،
لشعر هو الآخر بالملل. شدوا ياجماعة ، باقي هزة .. أين قد كنا ؟ ايوه عند ستة وعشرين ، يامعين يا الله .. سبع وعشرون سنة، ثمان وعشرون سنة، تسع وعشرون سنة، ثلاثون سنة إحدى وثلاثون سنة ، اثنان وثلاثون سنه . يااااااوه كم اننا نجري في ماراثون طوييييل.
مجرد عد السنوات كعملية رياضية تبدو مملة للغاية ، فما بالكم، عندما يكون الأمر حياة يومية نعيشها – كشعب- بالثانية والدقيقة والساعة. باليوم والأسبوع والشهر والسنة؟ هذا بحد ذاته هو العبث اللعين، وهي الحماقة التي تستحق كثيراً من مشاعر السخرية والسخط.
لا اعيد ماكتبته سابقا لأنتقد فخامة الرئيس لشخصه كإنسان مثابر ، كرب اسرة محب وشهم . اوكرئيس دولة يصعب على أحد ان ينكر شيئا من إنجازاته كرجل يحكم البلد منذ ثلاثة عقود ونيف .. إنني فقط،أسخر من الزمن.. الزمن الذي "بَنْشَر" عند 17 يوليو "وهيْه". ولا عد احترك من بعدها.
سواء كان فخامة الرئيس "صالح " أو غيره، الأمر سيان. 32 سنة في كرسي الحكم لرجل واحد معزز -في الغالب- ببطانة سيئة، لا تصنع شيئاً أكثر من أنها تجعل منه "إلهاً" كامل الدسم. و"عررر واحد يطلِّع نخس".
32 سنة لحاكم واحد ، مهما كان عظيماً، فإن الامر بالنسبة إليه يصير "وِلْعَةْ" سيئة، يصعب الإقلاع عنها كما يصعب عليه تلقائيا أن يصير مشغولاً للحظة بتكييف نفسه ورغباته ومهاراته وفقاً لما يحتاجه البلد ، بل العكس تماماً، البلد بأكمله هو الذي ينبغي عليه التكيف وفق رغبات الزعيم، القائد الرمز، القائد الإله الذي لا يُخطئ، ابدا واللي مش عاجبه يدق رأسه عرض الحيط. ونصير بسببٍ من ذلك، شعب "الفرداع" العظيم. 32 سنة في قمة السلطة لرجل واحد كافية لأن تجعل الجميع مجرد مجرد نزلاء محشورين في جيب الرئيس كافية ايضا لأن تجعل من الحاكم – أي حاكم - يبدو رجلا يحب السلام خارج الحدود، ويشن أبشع الحروب في وطنه ومن يقدر يقول له لأ. كلهم في الجيب . إن 32 سنة لا تفطر القلب فحسب، بل أكثر من ذلك، إنها تلم حول سلطة الحاكم الفرد وفرة من الخائبين.. ووفرة من القيم الساقطة التي لا تستطيع أن تحقق قدرتها إلا في ظل الاسم الأكثر قداسة. حتى بائع الزبيب في ركن باب الكبير بتعز، حينما أرادت البلدية يوماً أن تزيحه من مكانه ذاك الذي يتوسط الشارع، "نَتَع" جنبيته "فييييسَعْ" وهو يصرخ في وجوههم: "معي أمر من الرئيس أجلس أبيع هانا".
وما كان بوسع عسكر البلدية حينها إلا أن يضربوا له التحية ويغادروه بحثا عن بائعي بسطات لا يدعمهم الرئيس!
إن 30 سنة لرجل واحد في الحكم، لابد أن تصيِّره مغروراً، وتصيِّر الشعب كسيراً من الداخل، ويعيش حالة من الرتابة وفقدان الأمل. ثلاثة عقود لرجل واحد في الحكم، كفيلة بأن تجعل المصالح كلها تحت رحمة السيد الأول وثلة من أهله وتابعيه فقط في مجال الاستثمار مثلاً، تسعى بلادنا، منذ وقت، إلى العمل بنظام "النافذة الواحدة"، هذا النظام حيوي ومنعش، لكنك كمستثمر ستشعر بالإحباط حينما تكتشف سريعاً أن فخامة الرئيس هو النافذة الوحيدة والمتوحدة! وأن كل الذين حواليه ليسوا أكثر من مجموعة "شواقيص" صغيرة، بالكاد يستطيع أن يمر عبرها "الشانني". الشانني الذي يصرع رأس كل إنسان مجتهد، ويعرق.
30 سنة لطريقة حكم واحدة حتى وإن كان النبي نفسه، تُصَيِّر الكل متشابهين، وتُصير الدولة طبقاً لأفلاطون، مؤسسة يحكمها فاعل خير! فاعل الخير الذي يعتبر وكلاؤه ملائكة حارسين ومُطَّلِعين على كل حركة، بل وعلى كل فكرة تدور في رأس أي مواطن.
هي هكذا الدول الاستبدادية عموماً، تتعلم طيلة حياتها كيفية السيطرة على مواطنيها من خلال خلق الانطباع بأنها تراقبهم على الدوام. فيما هي تعجز أساساً ، أو لا تأبه من أصله، على مراقبة ناهبي لقمة عيش الناس.
إن 30 سنة على الأقل بالنسبة لنا كجيل من الشباب اللي فتحوا عيونهم للدنيا مع بداية صعود فخامة الرئيس صالح للحكم، قد جعلت منه "أبونا" الذي شاهدناه أكثر مما شاهدنا آبائنا "المطعفرين" في كل "زُوَّة" لهثاً وراء لقمة العيش. وفوق هذا يا ريت أن معاوني فخامته ووزراءه ومسؤليه وقادته بنوا بلد ينعم بمواطنة متساوية قدر ما احالوا الناس الى مجرد شحاتين على أبوابهم ( وكأنها بلاد ابتهم) حتى لم يعد هناك مايربط الناس بدولتهم هذه غير أن ابائنا كانوا أناس طيبون، دفعوا الضرائب والزكاة وأجرة العسكري، ودفعوا بنا إلى هذه الحياة القاسية والرتيبة وهم يقولون لنا:ماعليش ، الصبر حلو. لا بأس إذن ، سيكون لنا متسع من الراحة عندما نموت، أو.. عندما يموت الرئيس نفسه لا سمح الله.